ِبسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا
الْحَمْدُ لله الَّذِيْ بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتْ
اللهم بك التوفيق وعليك التوكل وبك البلاغ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
روى الأمام الحافظ المحدث الفقيه جبل الحفاظ محمد بن إسماعيل البخاري رحمة الله في صحيحة في كتاب الرقاق باب رفع الأمانة قال
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا النَّاسُ كَالإبِلِ الْمِائَةِ لا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً
قال الأمام بقية الحفاظ الحافظ الفقيه المحدث أبو الفضل أحمد على بن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله في شرحه على البخاري
حديث ابن عمر , سنده معدود في أصح الأسانيد قوله ( إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) في رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري " تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة " فعلى أن الرواية بغير ألف ولام وبغير تكاد فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب , لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئا سهل الانقياد , وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه ويلين جانبه , والرواية بإثبات " لا تكاد " أولى لما فيها من زيادة المعنى ومطابقة الواقع , وإن كان معنى الأول يرجع إلى ذلك , ويحمل النفي المطلق على المبالغة وعلى أن النادر لا حكم له . وقال الخطابي : العرب تقول للمائة من الإبل إبل يقولون لفلان إبل أي مائة بعير , ولفلان إبلان أي مائتان . قلت : فعلى هذا فالرواية التي بغير ألف ولام يكون قوله مائة تفسيرا لقوله إبل , لأن قوله كإبل أي كمائة بعير , ولما كان مجرد لفظ إبل ليس مشهور الاستعمال في المائة ذكر المائة توضيحا رفعا للإلباس , وأما على رواية البخاري فاللام للجنس . وقال الراغب : الإبل اسم مائة بعير , فقوله كالإبل المائة المراد به عشرة الآف لأن التقدير كالمائة المائة انتهى . والذي يظهر على تسليم قوله لا يلزم ما قال إن المراد عشرة الآف ; بل المائة الثانية للتأكيد . قال الخطابي : تأولوا هذا الحديث على وجهين : أحدهما أن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالإبل المائة التي لا يكون فيها راحلة وهي التي ترحل لتركب , والراحلة فاعلة بمعنى مفعولة أي كلها حمولة تصلح للحمل ولا تصلح للرحل والركوب عليها . والثاني أن أكثر الناس أهل نقص : وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدا , فهم بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة , ومنه قوله تعالى { لكن أكثر الناس لا يعلمون } . قلت : وأورد البيهقي هذا الحديث في كتاب القضاء في تسوية القاضي بين الخصمين أخذا بالتأويل الأول , ونقل عن ابن قتيبة أن الراحلة هي النجيبة المختارة من الإبل للركوب , فإذا كانت في إبل عرفت , ومعنى الحديث أن الناس في النسب كالإبل المائة التي لا راحلة فيها , فهي مستوية . وقال الأزهري : الراحلة عند العرب الذكر النجيب والأنثى النجيبة , والهاء في الراحلة للمبالغة . قال : وقول ابن قتيبة غلط والمعنى أن الزاهد في الدنيا الكامل فيه الراغب في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الإبل . وقال النووي . هذا أجود وأجود منهما قول آخرين إن المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل . قلت : هو الثاني , إلا أنه خصصه بالزاهد , والأولى تعميمه كما قال الشيخ . وقال القرطبي : الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة . وقال ابن بطال : معنى الحديث أن الناس كثير والمرضي منهم قليل , وإلى هذا المعنى أومأ البخاري بإدخاله في " باب رفع الأمانة " لأن من كانت هذه صفته فالاختيار عدم معاشرته . وأشار ابن بطال إلى أن المراد بالناس في الحديث من يأتي بعد القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم حيث يصيرون ويخونون ولا يؤتمنون . ونقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه فقال : لا حاجة إلى هذا التخصيص , لاحتمال أن يراد أن المؤمنين قليل بالنسبة للكفار والله أعلم .